حصار دولي وإقليميّ يُطبق على غزة، وحصارٌ محليّ على الضفة يرافقه صمتٌ دولي أعطى الضوء الأخضر لممارسة كل الإجرام الممكن لوقف المدِّ الإسلامي، والقضاء على حماس.
ليكون عنوان المرحلة دماء تخاطب القتلة وترافقهم، لعنةً لما اقترفته أيديهم، ولما يخفونه في أقبية التحقيق وزنازين العتمة.
قصةٌ قديمة حديثة، مشاهد مكررة، وحكايا مُلهِبة، أبطالها رجالٌ غُيِّبوا خلف الشمس؛ ليخرجوا على الأكتاف يُحدِّثون بمأساة لم تنتهي بعد!
نطالعكم بهذا التقرير حول شهداء التعذيب على أيدي أجهزة عباس وسُلطة "أوسلو":
سجون السلطة بين 1996- 2007
خمسة عشر عاماً لسُلطة الحكم الذاتي على أرض فلسطين، بدأت بعد انتفاضة الحجارة، إجرامٌ بدأ في غزة، واليوم وبعد انتفاضة الأقصى كان إجرامهم في الضفة، لم يتغير اليوم عن الأمس كثيراً، وإن كانت المدلولات السياسية والعناوين تغيّرت.
القتل هو القتل، والتعذيب هو التعذيب، كأنّ هذه السُلطة الدخيلة لا تعتاش إلا على دماء الفلسطينيين، والحقيقة أنّ مسلسل الإجرام في سجون السُلطة لم يتوقف طيلة الخمسة عشر عاماً؛ لتكون أول حالة وفاة في سجونهم بتاريخ 4/7/1994م، يليها تسع حالات قتل تحت التعذيب في العام 1995م، وثلاث حالات في عام 1996م، و سبع حالات عام 1997م، وأربع حالات في العامين 1998و1999م، وثماني حالات بعد عام 2000م، أي بما مجموعه 32 حالة، وهذه الحالات كلها كانت بين الضفة وغزة، وعلى خلفيات متعددة.
ظروف الاختطاف وخلفيته بين المحنتيْن
في السابق كان التعذيب والقتل على تهم منها الجنائية والأمنية أو التعاون مع الاحتلال؛ فإنّ الواقع اليوم مختلف ووجه الاعتقال والاتهام هو الانتماء لحركة حماس أو المعاونة أو المشاركة بنشاطاتها وإن كان الحضور فقط.
بين الأمس واليوم، ذات التعذيب والجِراح، وينقسم هذا التعذيب إلى قسميْن :
- التعذيب الجسدي: والذي يشمل الضرب المباشر، الشبح المتواصل بأشكاله المختلفة (العادي، بواسطة بكرة، الكرسي المعكوس، الوقوف على الكوبين "الكاسة"، الطاقة للأعلى، الضغط، الضغط على أصابع اليد، ضغط الصدر، الموزة)، التعريض للمياه أو التيارات الهوائية الساخنة والباردة، الخنق، الكي بالسجائر، الحرمان من الطعام والشراب والنوم ... إلخ.
- التعذيب النفسي: ويشمل الحبس الانفرادي لفترات طويلة وعزل المعتقل عن العالم الخارجي، التهديد بالاعتداء على شرف الأخت أو الزوجة على سبيل المثال، والترهيب والتخويف بأنواعه، مثل استخدام المحققين لآلات تسجيل تصدر أصوات صراخ من غرفة مجاورة، أو ضرب معتقل بقسوة لتصدر عنه أصوات ترهب المعتقلين الآخرين.
يبقى ملف نتائج التحقيق والضرب مغلقاً سريّا، وحجم ضحاياه كبير، فلا يظهر إلا مَن يُحمَل لقبره، أما التشوهات والإعاقات الناتجة عن الضرب فلم تظهر بعد للمجتمع، والمأساة تُخفي ملفاً لا يُستَهان به!
شهداء تحت التعذيب
2008-2009
لم يكن الثاني والعشرون من شهر شباط لعام 2008م عادياً، ففيه سُجِّلت أول حالة وفاة نتيجة التعذيب في الضفة الغربية بعد الحسم العسكريّ في غزة، وهو الشهيد الشيخ مجد البرغوثي (47عاماً)، من بلدة كوبر برام الله، حيث أعلنت وفاته بعد أسبوع من اعتقاله لدى سجن المخابرات العامة، ليرتقي الشهيد ويحيا المجرمون آمنين!
لم ينتهِ عام 2008 بحالة وفاة واحدة في سجون أجهزة السُلطة، ففي 29\9\2008م أعلنت شرطة رام الله أن المعتقل لدى جهاز المخابرات في سجن أريحا شادي شاهين (27 عاماً)، من سكان مدينة البيرة، توفي بظروف غامضة، وهو متهم بإطلاق النار على نبيل عمرو، حيث اعتقله الاحتلال وبعد الإفراج عنه اعتقله جهاز المخابرات ليودع سجن أريحا للتحقيق معه بعيدا عن ضغوط عائلته، وفور وفاته أعلن جهاز المخابرات أنّ الوفاة طبيعية!!!، ويُشار إلى أنّ شاهين ينتمي لحركة فتح.
أما عام 2009، فلم يكن أفضل من سابقه، ففي 2009/2/8م ارتقى الشهيد محمد الحاج (30عاماً)، من بلدة جلقموس بجنين، إثر التعذيب في سجن الأمن الوقائي، حيث عُثِر على كدمات وأثار التعذيب واضحة على جسده الذي كان لونه ما بين السواد والأزرق، ومن الجدير بالذكر أنّه استشهد بعد ثلاثة أيام من اختطافه الأخير.
وأربعة أشهر أخرى انقضت على استشهاد الحاج، ليُكمل المسلسل حلقاته، هذه المرة الشهيد من بلدة دورا محافظة الخليل وهو الممرض هيثم عمرو (23عاماً)، وذلك بتاريخ 2009/6/15، وقد توفي نتيجة التعذيب الوحشي الذي تعرض له في سجن المخابرات، أما المسئولون عن القتل هم : ماهر عبد القادر عمرو وهو يشغل منصب مدير التحقيق في مخابرات الخليل، ومحمد منصور( أبو عاصم ) رئيس جهاز المخابرات، وشارك في الجريمة منذر غيث من مدينة الخليل، وهو مسئول عن حوادث شلل أيدي الكثيرين من المختطفين إثر الشبح.
لم يكتمل التحقيق ولم يتم القصاص، لتطالعنا جريمة جديدة بعد شهرين، كان ضحيتها الشهيد كمال أبو طعيمة (44عاماً)، من سكان مخيم الفوار محافظة الخليل، وكان أبو طعيمة معتقلا لدى السلطة الفلسطينية مدة تسعة أشهر، وأفرج عنه قبل أكثر من شهر ونصف (قبيل إعلان وفاته) بعد إصابته بجلطة حادة نتيجة التعذيب في مقر الأمن الوقائي نقل إثرها إلى الأردن للعلاج؛ ليعودَ إلى ذويه شهيداً.
أسبوعٌ على إعلان استشهاد أبو طعيمة، ليُستَشهَد فادي حمادنة (28عاماً)، من عصيرة الشمالية بنابلس، بتاريخ 2009/8/10، حيث توفي نتيجة التعذيب في سجن جنيد –المخابرات العامة).
شهداء الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال في مقابل الشهداء والقتلى في سجون السلطة
- مجمل الشهداء :بلغ عدد شهداء الحركة الأسيرة (195) أسيرًا منذ عام 1967، منهم (70) أسيرًا استشهدوا نتيجة التعذيب القاسي في السجون الصهيونية، والذي شرعت له المحاكم، و( 48) أسيرًا استشهدوا نتيجة سياسة الإهمال الطبي المتعمد، و(70) أسيرًا استشهدوا نتيجة القتل العمد وبدم بارد بعد الاعتقال، وهناك (7) أسرى استشهدوا نتيجة إطلاق النار المباشر عليهم من قِبل الجنود والحراس وهم داخل السجون، بمعدل خمسة شهداء لكل سنة.
مجموع الشهداء والقتلى على أيدي أجهزة السُلطة منذ 15 عاماً يقارب 44 شخصاً، أي بمعدّل ثلاثة أشخاص لكل عام (والواقع أقسى من ذلك).
- نتيجة التعذيب :في سجون الاحتلال كان الشهداء نتيجة التعذيب والقتل (77 شهيداً) بمعدّل شهيديْن لكل عام.
بينما لدى الأجهزة الأمنية وفي أقل من عاميْن على اعتبار أنّ أول حادثة استشهاد تحت التعذيب كانت الشيخ مجد البرغوثي (2008/2/22) ، وصل عدد الشهداء إلى ستة!!، بمعدل شهيد لكل ثلاثة أشهر وهو يكافئ ثلاثة شهداء لكل عام!!
حقوق الإنسان والمجتمع الدولي، الغائبون عن الضفة و الحاضرون في غزة
كلما ذُكِرَت حقوق الإنسان، ذُكِرَ معها الحق المنسي والحقوق المغيَّبة، في غزة، إن تحرّكت الحكومة خطوة أو أصدرت قراراً تجد كل المؤسسات الحقوقية بدأت تشحذ ألسنتها وبياناتها وترفع تقاريرها؛ لإثارة الرأي الدوليّ العام، بينما في الضفة، فلا تسمعُ لهم رِكزاً، كأنّ ما يجري في الضفة لا يعني المجتمع الدولي ولا يمسّ بحقوق الإنسان.
مؤسسات بلا حقوق، وحقوق بلا حماية، ووأد للحقائق وطمس لمعالمها؛ والسُّلطان هو التهديد والإجبار، فلا صوتَ فوق صوتِ قانون الغاب.
ماذا بعد؟
إنّ ما يجري ليس إعداما للحقائق بل تعداه للتزوير والتشويه، ولا زالت حلقات خطة دايتون تضيِّق الخناق وتضرب.
نعتبر ما يجري في الضفة هو اختزال لمفهوم الحريات، وما صمت المجتمع الدولي إلا موافقة ضمنية وختمٌ على مجريات الأحداث، كما يُعتَبر كل مشارِك في الضرب والاختطاف والقتل شريكاً في الجُرم، بدءً من رأس الهرم في سلطة عباس ومروراً بمركزية فتح ومجلسها الثوري ووصولاً لرؤساء ومديريها ، ونُحَمِّل عائلاتهم تبعات ما يجري وما يقومون به من ممارسات لن تعفيهم من القصاص!
ولا نعفي أحداً من المسئولية تجاه تسارع الأحداث وتصاعد أرقام المتضررين والوفيات، بل ونطالب بالكشف عن كل الجرائم وتعرية المسئولين عنها، والإفراج الفوري عن كافة المختطفين.