شبكة معقدة من الأنفاق تربط بين مصر وقطاع غزة، ترى إسرائيل أن هذه الشبكة هي شريان الحياة الرئيس لحركة حماس، وهي التي تسمح لها بزيادة ترسانة أسلحتها، وإطلاق الصواريخ على مدنها الحدودية.
بعض المصادر الإسرائيلية تقدر أن هذه الأنفاق يصل عددها إلى 800 نفقا، وأن بعضها يصل عمقه إلى أكثر من 190 قدما، مهربون من البدو يستخدمون تلك الأنفاق لنقل كل شيء، من الوقود إلى الطعام إلى السجائر ومئات الأطنان من البضائع والأسلحة المهربة إلى حماس والجهاد الإسلامي، حيث في النهاية تصل ليد هؤلاء المسلحين بنادق، وكذلك أسلحة إيرانية الصنع، وصواريخ بعيدة المدى ومكونات صواريخ القسام وقذائف صواريخية من طراز RPG وعبوات ناسفة.
الباحث الإسرائيلي "كريس هارنش" من المركز اليهودي للسياسات، أصدر مؤخرا دراسة توثيقية هامة جاء فيها أنه قبل الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005 كان ما يقارب من طن واحد من الأسلحة يهرب كل عام، لكن في القترة ما بين أيلول 2005 وكانون الأول 2008 وصلت الكمية، حسب مصادر في الاستخبارات الإسرائيلية، إلى 250 طنا من المتفجرات، وأربعة آلاف RPG، و1800 صاروخ عبروا الحدود إلى قطاع غزة.
في السابع والعشرين من كانون الأول 2008 بدأت إسرائيل عملية "الرصاص المسكوب" للحد من استمرار إطلاق الصواريخ عليها من قطاع غزة، بعد ذلك كان هناك وقف إطلاق نار من جانب واحد هو الطرف الإسرائيلي، ثم كانت مذكرة تفاهم أمريكية إسرائيلية لتعزيز التعاون الاستخباري بين الولايات المتحدة وحكومات المنطقة لمنع تهريب الأسلحة لقطاع غزة.
المذكرة نصت على وعد بزيادة المعونات الأمريكية لمصر في حال كثفت جهودها لمكافحة هذا التهريب، كما دعت مذكرة التفاهم إلى إنشاء قوة مراقبة دولية بالقرب من الحدود بين غزة ومصر لكن الحكومة المصرية رفضت هذا الإجراء.
منذ توقف عملية الرصاص المسكوب والمصريون –بحسب الدراسة الإسرائيلية- يخطون خطواتهم بحساب، فمن جهة يسعون لتهدئة الرأي العام المصري، خصوصاً في ظل خروج الآلاف من المصريين إلى الشوارع للاحتجاج على الحرب، كما قام الكثيرون بمظاهرات أمام السفارات المصرية في العديد من دول الشرق الأوسط.
من ناحية أخرى، أدركت القاهرة أنها بحاجة لبذل المزيد من الجهد لتأمين حدودها خاصة بعد أن أعلنت إسرائيل أنها تحتفظ بحقها في تفجير أنفاق الحدود في حال أثبت الواقع أن الجهود المصرية غير كافية.
هنا تجدر الإشارة إلى أن ذلك ليس متناقضاً مع المصالح المصرية، فآخر شيء يريده صناع القرار في القاهرة أن يرون على عتبة بيتهم دولة إسلامية تقودها حركة حماس، وثيقة الصلة مع جماعة الإخوان المسلمين، التي لها شعبية كبيرة في مصر.
علما بأن القاهرة رسميا أعلنت بعد أسابيع من مذكرة التفاهم الأمريكية الإسرائيلية، أنها ليست ملزمة بالشروط الواردة فيها، وأن تهريب الأسلحة مشكلة ناجمة عن الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة.
وعلى الرغم من ذلك، ترى الدراسة الإسرائيلية الصادرة حديثا، أن جهود مكافحة التهريب ما زالت بطيئة، فعندما تعثر القوات على نفق تدمر مدخله فقط وتضع حارساً على مدخله، وهو إجراء أثبت فشله، كما تقدر الأوساط الإسرائيلية.
في مطلع تموز الماضي، وحسب تقرير لصحيفة "هآرتس" فان هناك المزيد من الأنفاق والمزيد من مخابئ الأسلحة اكتشفت، ووصف تقرير الصحيفة ما يحدث على النحو التالي: في الماضي كانت الحدود مع قطاع غزة بلا دوريات أمنية تقريباً، أما الآن فيبدو أن هناك جندي لكل 100 متر لديه أوامر بإطلاق النار على أي شخص يحاول عبور الحدود.
وعلى الرغم من التقدم في عملية مكافحة تهريب الأسلحة والتحسن في هذا الوضع، إلا أن تلك الأسلحة ما تزال تجد طريقها عبر الحدود لتصل في النهاية إلى يد المسلحين وبمعدل غير مقبول، وحسب أقوال رئيس الشين بيت (الأمن الداخلي الإسرائيلي) فانه منذ انتهاء عملية الرصاص المسكوب في 21 كانون الثاني 2009 وحتى نهاية آذار تشير التقديرات إلى أن 22 طناً من المتفجرات، و45 طناً من المواد الخام اللازمة لتصنيع الأسلحة دخلت قطاع غزة.
في هذا الصدد فان الخطة التي اقترحها في الأصل الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي "غيورا ايلاند"، تبدو الأكثر فعالية، فقد اقترح إنشاء منطقة أمنية تمتد إلى الخارج على بعد ميلين من الحدود داخل مصر، بالإضافة إلى سياج حدودي مزدوج يفصل بينهما منطقة مغلقة متصلة بمقصورة على منطقة واحدة لحراسة الطريق.
كل هذا سيدعو المهربين لبناء أنفاق أطول مما يزيد من احتمالات الانهيار، وهذا الإجراء سيدعو المهربين أيضا إلى السير لمسافات طويلة في ظل كمية أقل من الأوكسجين، وسيدعوهم أيضا لضخ كميات من الهواء داخل الأنفاق، ومضاعفة الجهد في هذا الاتجاه مما يزيد من احتمالات كشفهم.
بالإضافة إلى ذلك ينبغي إعادة النظر في اتفاق 2005 مع الجانب الإسرائيلي، الذي يسمح بنشر عدد 750 من حرس الحدود المصري على الممر، ووفقاً لاتفاقية السلام كامب ديفيد 1979 لا يسمح لمصر سوى بنشر شرطة مسلحة تسليحاً خفيفاً على الحدود، وهذا ما تم تعديله في 2005، لكن الوضع الجديد والتهديد الذي تمثله القوى الإسلامية على إسرائيل، وتحسين تقنيات وتكنولوجيا التهريب، كل هذا يجعل انتشار 750 جندياً من حرس الحدود ليس بالأمر الكافي لمواجهة ذلك.
في الماضي وقبل 2005 كانت كمية السلاح التي تعبر إلى غزة أقل من طن واحد في السنة، ويبدو أنه على تل أبيب السعي إلى هذا الهدف عن طريق التصدي لعمليات تهريب السلاح إلى حماس، وهو الأمر الذي يدعم أمن إسرائيل في الوقت ذاته.
وعندما تنجح الأطراف المختلفة في الوصول إلى هذا الهدف باتخاذ المزيد من الخطوات الايجابية، في هذا الوقت فقط ستتراجع ترسانة صواريخ حماس والجماعات الأخرى بما يكفي لتحقيق الهدوء النسبي في جنوب إسرائيل، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى الحفاظ على الهدوء والأمن في المنطقة كلها، طبعا هذا كله على ذمة معد الدراسة الإسرائيلية.